هذه المدونة مخصصة لترجمة النقاش الذي دار مع الأستاذ الصغير “ناوكي هيچاشيدا” و دوِّنت في كتاب. كتبت مراجعة مختصرة للكتاب في هذا الموقع. تم النقاش معه وهو في المرحلة المتوسطة، وعمره 13 سنة، عام 2006، وتم إصدار الكتاب بعنوان “”سبب قفزي لأعلى أنا المريض بمرض “التوحد” – مشاعر قلبية يسطرها طالب في مدرسة متوسطة لا يستطيع الحوار”. (ترجم العنوان مشكوراً من اليابانية: @cdnmai و أوصلني إليه زميلي @Gutz360).
تحديث: أصبحت أترجم كل سؤال وجواب على حدة في موقع “تمبلر”، ليكون أسهل في المتابعة بدل زيارة المدونة كل مرة واستعراض كامل الموضوع. سأقوم بتحديث الترجمة هنا أيضاً، لكن بتأخّر. الرابط: techani.tumblr.com
في أغسطس 2013 تم إصدار الترجمة الانجليزية بعنوان “لماذا أقفز – الصوت الداخلي لفتى في الـ13 من عمره”. الترجمة أتت بعد أن بحثت عائلة من أب انجليزي وأم يابانية لفتى لديه توحّد عن مصادر، و اشترت الأم هذا الكتاب من اليابان، وكأنه كنز دفنه ضعف التواصل الفكري بين أصحاب اللغات المختلفة. (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) لا لتتقوقعوا على أنفسكم، فلايوجد عرق أفضل من آخر، والتاريخ شاهدنا.
عوداً على ذي بدء: هي ترجمة بتصرّف لكي تصل رسائل مهمة أرجو أن تساعد على تعزيز العلاقة بين أصحاب التوحّد ومن حولهم.
للعلم لست مختصّ والترجمة ليست لكامل الكتاب، لكنه حل مؤقت حتى يترجمه المختصون من اللغة اليابانية مباشرة بالتعاون مع شخص ياباني أو مختص بدراسة الثقافة اليابانية.
ستجد أنني لا أستخدم عبارة “توحّدي” وذلك لأن “ناوكي” لايستخدمها، بل يقول “لديه توحد”، فترجمت طريقة تعبيره (حسب الترجمة الانجليزية) دون اختصار أو إعادة صياغة تعبيره لهذه الصفة.
______________________________
المقدمة
عندما كنت صغيراً، لم أعرف أنني طفل صاحب احتياجات خاصة حتى قيل لي أنك مختلف، وأن هذه مشكلة.
لا أواجه مشكلة في الغناء وفي قراءة الكتب بصوت عالي، لكن ندما أريد مخاطبة أحد فإن الكلمات تختفي من فمي. بالتأكيد، أجد بعض الكلمات للتحدث بها، لكن حتى هذه الكلمات قد تخرج بعكس ما أريد قوله!ا
لا أستطيع الرد بشكل صحيح عندما يُطلب مني شيء، وعندما أتوتّر أهرب من المكان أينما كان مكاني
لماذا أفعل كل هذا؟
أتخيل أحياناً كيف ستكون الحياة لو أن الجميع لديه توحّد!ا
بفضل التدريب الذي حصلت عليه من السيدة “سوزوكي” في مدرسة “أهاچاومي” ومن أمّي، تعلمت طريقة للتواصل بالكتابة. الآن أستطيع الكتابة على الكمبيوتر! المشكلة هي أن الكثير من الأطفال الذين لديهم توحّد لايجدون أي طريقة للتعبير عن أنفسهم، فلايدري أحياناً حتى آبائهم بماذا يفكّرون.
لذلك، أملي الكبير هو في أن أشرح بطريقتي مالذي يدور في خلد الذين لديهم توحّد. كما آمل أنك بعد هذا الشرح ستكون صديق جيد لأحد لديه توحّد.
لاتستطيع الحكم على الناس من مظاهرهم، لكن عندما تتعرف على دواخلهم ستقترب علاقتكم أكثر.
بالنسبة لك، التوحّد شيء غامض، لذلك أرجو منك قضاء بعض الوقت لسماع ما أريد قوله.. مع تمنياتي لك برحلة ممتعة في عالمنا!ا
— ناوكي هيچاشيدا، اليابان، 2006
س1: كيف تكتب هذه الأجوبة؟
ج: قد تظن أن الكلام المحكي هو الطريقة المثلى للتواصل، لكن يوجد طرق أخرى بدون استخدام صوتك. لم أحلم في البداية أنها ستنجح، لكن الآن أستطيع التعبير عن نفسي باستخدام الكمبيوتر و لوحة الحروف. هذا شعور رائع!
عدم قدرتك على التعبير يعني عدم قدرتك على مشاركة ماتشعر وتفكر به.
نعم، قضيت الكثير من الوقت حتى أتمكن من إنجاز ذلك، لكن منذ أول يوم أمسكت فيه أمي بيدي لأكتب، بدأت اكتسب أداة جديدة للتعبير عن نفسي. بعد ذلك، ولكي أحصل على استقلالية أكثر في التواصل، ابتكرت أمي التوزيعة الأبجدية. التوزيعة الأبجدية تجعلني أشكّل كلماتي بالإشارة إلى الحروف بدل كتابتها بيدي الواحد تلو الآخر. الكتابة جعلت كلماتي ترسو بعدما كانت تتبعثر قبل أن أقولها.
أثناء تعلّمي، كثيراً ماكنت أشعر بمرارة وإجهاد، لكن ما جعلني أواصل وأصبر هو يقيني بأني لكي أحيا حياة طبيعية، يجب أن أعبّر عن نفسي. لذلك لوحة الحروف ليست مجرد طريقة لتكوين الكلمات، لكنها طريقة لإيصال أفكاري للآخرين.
(توضيح من سهيل صاحب المدونة: التوزيعة الأبجدية التي ذكرها الأستاذ ناوكي مكتوبة في ورق مقوّى بنفس توزيعها الموجود في لوحة المفاتيح، وبجانبه من يكتب كل حرف يشير إليه، حتى تشكلت كلمات وجمل ثم انتهينا بهذا الكتاب. حالة التوحد التي مع “ناوكي” جعلت حتى لوحة مفاتيح الحاسب تشتت تركيزه، فكان الحل بورقة لابروز فيها ولاتحتاج إلى ضغط، لكنها تحتاج إلى الكثير من الصبر من قِبله ومن قِبل من يتواصل معه).
س2: لماذا يتكلم من لديهم توحّد بصوت عالي وبطريقة غريبة؟
ج: يقول لي الناس كثيراً أن صوتي فعلاً مرتفع حينما أتحدث مع نفسي.. هذه من الأشياء التي لا أستطيع السيطرة عليها، وتصيبني بالإحباط.. لماذا لا أستطيع إصلاحها! عندما أتحدث بصوت غريب، فهو من غير قصد مني. نعم، أحياناً أجد راحة في سماع صوتي عندما أنطق بكلمات مألوفة أو جمل سهلة، لكن الصوت الذي لا أستطيع السيطرة عليه مختلف، يخرج فجأة. تستطيع القول أنه ردة فعل لا إرادية. ردة فعل لماذا؟ ..أحياناً لما قد شاهدته للتو، أو لذكريات قديمة. عندما يحدث مايسبّب هذا الصوت، فإنه يستحيل عليّ تقريباً إيقافه، ولو حاولت إيقافه، فإنه في الحقيقة يؤلمني.. وكأني أخنق نفسي.
شخصياً لا أجد مشكلة في خروج هذا الصوت الغريب، لكني أعلم أنه يزعج الناس الآخرين. لطالما أحرجني حتى الموت هذا الصوت. في الحقيقة، أريد أن أكون لطيفاً وهادئاً وصامتاً أيضاً، لكن حتى عندما يُطلب منّا السكوت أو البقاء صامتين، فإننا ،ببساطة، لانعرف كيف! أشعر بأن أصواتنا مثل تنفّسنا.. تخرج من أفواهنا دون وعينا.
س3: لماذا تسأل نفس الأسئلة المرة تلو الأخرى؟
ج: صحيح، أنا اسأل نفس السؤال باستمرار، مثل “أي يوم هذا؟” أو “غداً مدرسة؟”.. أمور بسيطة كهذه اسأل عنها باستمرار. لا أعيد السؤال لأني لا أفهم، بل وحتى أثناء سؤالي أنا أعلم أنني أكرر السؤال. ماهو السبب؟ لأني أنسى بسرعة ماسمعت. بداخل عقلي، لايوجد فرق بين ماسمعته الآن وماسمعته منذ زمن بعيد. لذلك، أنا أفهم هذه الأمور لكن طريقة تذكّري لها تختلف كثيراً عن الآخرين.
أتخيل أن ذاكرة الإنسان العادي مرتبة باستمرار، كالطابور. لكن ذاكرتي مثل مجموعة نقاط، دوماً التقط هذه النقاط بتكرار السؤال حتى أصل للنقطة التي تمثّل جواب السؤال. لكن هنالك سبب آخر لتكرارنا الأسئلة. إنها تجعلنا نلعب بالكلمات. نحن لسنا جيدين في الحوار، ومهما حاولنا لن نتكلم بأريحية مثلما تتكلمون أنتم. لكن الاستثناء الأساسي هو الكلمات والجمل التي نألفها جداً. تكرارها ممتع جداً، وكأني ألعب بالكرة! بخلاف الكلمات التي يُطلب منها قولها، تكرار الأسئلة التي نعرف أجوبتها تكون ممتعة أحياناً، تشعرك بأنك تلعب بالصوت وإيقاعه.
س4: لماذا تعيد سؤال من يسألك؟
ج: لفترة طويلة لاحظت أن من لديهم توحّد يعيدون الأسئلة، مثل الببغاء. بدل أن نجاوب، فإننا نعيد نفس السؤال مباشرة للذي سأله. كنت أظن أننا نعيده لأننا لانعرف كيف نجيب، لكن الآن أظن أنه يوجد سبب آخر لهذا السرّ. نستخدم إعادة السؤال لنخل الذاكرة والتقاط مؤشرات تدلّنا على ما يسأل عنه السائل. نعم، نفهم السؤال، لكن لانستطيع الإجابة عليه حتى نلتقط الصورة التي تعبّر عنه من الذاكرة. إنها عملية معقدة نوعاً ما..
أولاً، أتفحص الذاكرة بحثاً عن أكثر حدث مشابه لما يحدث الآن. بعد أن أجد حدث مشابه بما فيه الكفاية فإن خطوتي التالية هي أن أتذكر ماقلته حينها. إذا كنت محظوظاً، فإني سأصل لحدث مفيد وتجري الأمور على مايرام. إذا لم أكن محظوظاً، فإنني أصطدم بطريق مغلق، ولا أستطيع إجابة السؤال الموجه لي. ومهما حاولت إيقافه، فإن هذا “الصوت الغريب” ينزلق من فمي مما يربكني ويحبطني أكثر، فيصعب علي أكثر أن أقول أي شيء.
عندما يكون النقاش نمطي أكثر، فإن تجاوبنا يكون أفضل بكثير.. رغم أنه عندما نريد التعبير عن مشاعرنا، فإن كل الأنماط لاتجدي نفعاً. بل وبالإعتماد عليها كثيراً فإنك قد تتكلم بعكس ماكنت تريد قوله! أقسم بأن الحوار يتطلب جهد كبير! وكأن علي التحدث بلغة أجنبية كل دقيقة من كل يوم لكي يفهمني الناس.
س5: لماذا تفعل أشياء لايجب عليك فعلها، حتى عندما يقال لك مليون مرة ألّا تفعلها؟
ج: “كم مرة يجب علي أن أقول لك!” نحن الذين لدينا توحّد نسمع هذا دائماً. أنا شخصياً يقال هذا لي كثيراً. سيبدو وكأنه نابع من سوء وتمرّد من قِبَلنا، لكن في الحقيقة لسنا كذلك. عندما يقال لنا هذا نستاء من أنفسنا أن أعدنا فعل ماقيل لنا ألا نفعله. لكن عندما تحين فرصة أخرى، سنكون قد نسينا تقريباً المرة الماضية فنعيد الفعل مرة أخرى. وكأن هنالك شيء خارج تفكيرنا يدعونا لفعله. قد يجعلك هذا تفكر “ألن يتعلم أي شيء؟”.. نعلم أننا نجعلكم حزينين ومحبطين، لكن أخشى أننا لانملك شيء حيال هذا، وهذه هي حالنا. لكن أرجوكم، مهما تفعلون، لاتيأسوا منا. نحن بحاجة إلى مساعدتكم.
س6: هل تجد اللغة الطفولية أسهل في الفهم؟
ج: ممن لديه توحّد من الأطفال ينمو ويتعلّم كل يوم، ومع ذلك نُعامل للأبد كأطفال. ربما لأن تصرفاتنا تبدو أصغر من أعمارنا الحقيقية، لكن كلّما عاملني أحد وكأنّي طفل، فإنه يزعجني جداً. لا أدري إن كان الناس يظنّون أنّي سأفهم لغة الأطفال أكثر، أو يظنّون أنّي أُفضّل أن أُحَدّث بهذه الطريقة.
أنا لا اسألكم أن تحدثوا من لديه توحّد بلغة معقّدة عمداً، لكن عاملونا كما نحن، بناءاً على أعمارنا الحقيقية.
كلما أُحَدّث بدونية، أشعر بتعاسة مُرّة، وكأنّ الفُرَص أُغلقت أمامي للحصول على مستقبل لائق.
الشفقة الحقيقية لاتكون بتقليل احترامك للشخص. هذا ما أعتقده على أية حال.
س7: لماذا تتحدث بهذه الطريقة الغريبة؟
ج: أحياناً، يتكلم الذين لديهم توحّد بنغمة غريبة أو يستخدمون اللغة بطريقة مختلفة. الذين لايملكون توحّد يرتبون كلامهم مباشرة أثناء نقاشاتهم، لكن في حالتنا فإن الكلمات التي نريد أن نقولها والكلمات التي نستطيع أن نقولها لا تتطابق دوماً، مما يجعل نطقنا مستنكَر، كما أظن.
عندما يوجد فجوة بين ما أفكّر فيه وما أقوله، فهذا بسبب أن الكلمات التي تخرج من فمي هي الكلمات الوحيدة التي أستطيع استحضارها في تلك اللحظة. وهذه الكلمات استحضرها إما لأني استخدمها باستمرار أو لأنها
تركت انطباع لدي يوماً ما في الماضي.
بعضكم يظن أننا نقرأ بنغمة عالية وغريبة أيضاً، وهذا لأنّا لا نستطيع قراءة القصة وتخيّلها في نفس الوقت. القراءة وحدها تكلّفنا الكثير من الجهد. ترتيب الكلمات ثم نطقها مهمة طويلة بحد ذاتها. الكثير من التدريب يفيد على أية حال. أرجوكم لاتضحكوا منّا حتى وإن كان عملنا أقل من جيد.
س8: لماذا تستغرق وقتاً طويلاً للإجابة على الأسئلة؟
ج: أنتم الأشخاص العاديون تتكلمون بسرعة هائلة؛ تفكيركم في شيء ومن ثم قوله لايأخذ منكم سوى جزء من الثانية. هذا بالنسبة لنا كأنه سحر! إذن، هل يوجد مشكلة في التوصيلات داخل أدمغتنا؟ ما زالت الحياة قاسية على من لديهم توحّد، وقد تظل كذلك مدى الحياة، لكن لم يستطع أحد التعرّف على أسباب التوحّد.
نعم، يستغرق منّا الرد على ماقاله الشخص الآخر وقتاً طويلاً. سبب استغراقنا وقتاً طويلاً لايعني بالضرورة أننا لم نفهم، لكن لأنه عندما يحين دورنا للتحدث فإن الردّ الذي استحضرناه يختفي من ذاكرتنا؛ لا أدري إن كنتم ترون هذا منطقياً أم لا. حينما يختفي الردّ فلا نستطيع أبداً تذكّره مرة أخرى… ماذا كان سؤالها؟ كيف كنت سأرد عليه؟ ابحث مرة أخرى! وخلال هذا الوقت، يفيض علينا كمّ من الأسئلة الأخرى. فينتهي بي الأمر أفكر في أن هذا التواصل ميئوس منه؛ كأنني أغرق في سيل من الكلمات.
س9: هل يجب علينا الاستماع لكل كلمة تقولها؟
ج: إصدار صوت من فمك لايعني تواصلك مع غيرك، صح؟ قد لايستوعب هذا الأمر الكثير من الناس. ألا يوجد اعتقاد بأن استخدام الشخص للغة الشفوية يعني أنه يقول شيء بمحض إرادته؟ هذا الإعتقاد هو مايجعلنا نحن الذين لدينا توحّد ننغلق أكثر على أنفسنا. مجرد أننا نصدر أصوات أو كلمات لايعني تلقائياً أننا أردنا قولها. حتى مع أسئلة مباشرة إجابتها “نعم” أو “لا” فإننا نخطئ في نطق ما نريد قوله. هذا يحدث لي دوماً عندما يخطئ من معي فهم ما قلته للتو. ولأنني بالكاد أستطيع الحوار، فتصحيح ما قلته أو ما أُسيء فهمه بعيد جداً عن قدراتي. كلما يحدث لي هذا الشيء أغتاض من نفسي لكوني عديم الفائدة لهذا الحد.
أرجو ألّا تفترضوا أن كل مانقوله هو ما أردنا فعلاً قوله. أعلم أن هذا يجعل التواصل بيننا صعب، لانستطيع حتى الإشارة. لكننا نريد بشدة أن تفهموا مايدور في خلدنا وفي قلوبنا. في الأساس، مشاعري هي تماماً كمشاعركم.
س10: لماذا لاتستطيع الكلام بشكل سليم؟
ج: لفترة طويلة، كنت أفكر لماذا نحن الذين لدينا توحّد لانستطيع الكلام بشكل سليم. لا أستطيع قول ما أريد قوله فعلاً. وبالمقابل، الأصوات العشوائية التي لاعلاقة لها بشيء تتدفق من فمي. كان هذا يحبطني بشكل كبير، وكنت أغبط هؤلاء الذين يتحدثون بدون جهد. مشاعرنا مثل مشاعر أي شخص آخر، لكن لانجد طريقة للتعبير عنها. لانملك حتى السيطرة الكاملة على أجسادنا ذاتها؛ كلاً من الوقوف والحركة خياران يصعب تنفيذهما. وكأننا نتحكم عن بعد بـ روبوت مختلّ. بالإضافة لكل هذا، يقال لنا أن نفعل ولانفعل، ونحن لانستطيع حتى التعبير عن أنفسنا. كنت أشعر بأن العالم أجمع قد تخلّى عني. أرجو ألا تحكموا علينا من الظاهر.. لا أعلم لماذا لا أستطيع الكلام بشكل سليم، لكن ليس لأننا لانريد الكلام، بل لأنـّا لانستطيع الكلام، ونحن نعاني بسبب هذا. بالإعتماد على أنفسنا، لايوجد مانستطيع فعله حيال هذه المشكلة، حتى أني فكّرت في بعض الأحيان لماذا هذا الشخص -الذي هو أنا- العاجز عن التعبير قد وُلِد من الأساس. لكن بعد أن بدأت التواصل نصيّاً، الآن أستطيع التعبير عن نفسي عبر التوزيعة الأبجدية وعبر الكمبيوتر. وقدرتي على مشاركة أفكاري جعلتني أستوعب أنني موجود في هذا العالم كإنسان. هل سبق وأن تخيلت حياتك وأنت عاجز عن التعبير فيها؟
أسطورة الكلمات المفقودة!
نحن الذين لدينا توحّد، لانستخدم مايكفي من الكلمات، و الكلمات الناقصة هي مايسبب كل هذه المشاكل. على سبيل المثال:
خلال يوم دراسي، فتاة لديها توحّد قالت “كلّنا!”…… أصدقاءها ظنوا أنها تريد أن تنضم إليهم، لأنها قالت “كلنا!” فقط.. أو ربما أنها أرادت أن نعمل شيء ما جميعاً.
في الحقيقة، “كلّنا!” التي قالتها الفتاة أتت من جملة قالتها المدرّسة في بداية اليوم:”غداً سنذهب جميعاً إلى الحديقة”. وكانت الفتاة تريد أن تعرف متى سيذهبون، فرددت الكلمات الوحيدة التي تستطيع استخدامها حينها: كلّنا. في هذا المثال يتضح لك كيف أن الكلمات المفقودة في حديثنا تجعلك تذهب بعيداً في فهم مانقصد. بصراحة، لغتنا نحن الذين لدينا توحّد فعلاً غريبة!
س11: لماذا لاتنظر إليّ عندما تتحدث؟
ج: فعلاً، لاننظر إلى أعين الأشخاص كثيراً. يقال لي المرة تلو الأخرى: “انظر بأدب إلى من تحدّثه”، لكني مازلت لاأستطيع عملها. بالنسبة لي، النظر إلى الشخص الذي أحدّثه يبعث بشعور غير مريح، لذلك أتجنبه. إذاً ما الذي أنظر إليه بالتحديد؟ قد تظنّ أنني أنظر إلى الأسفل ليس إلّا، لكن ستكون مخطئ بهذا الظن؛ ما ننظر إليه بالفعل هو صوت الشخص الآخر. قد لاتكون الأصوات مرئية، لكننا نحاول الاستماع إلى الشخص المقابل بكل ما أوتينا من الحواس. عندما نركز بالكامل على معالجة ما تقوله، فإننا نسرح بحاسة البصر. مايزعجني كثيراً هو هذا الاعتقاد عند الناس بأن مجرد النظر إليهم عندما يحدّثونا يعني بحد ذاته أننا نستوعب كل كلمة يقولونها. هه! لو كان هذا صحيحاً لكانت إعاقتي قد شُفيت منذ زمن بعيد!
س12: يبدو أنك لاتحب الإمساك بأيدي الآخرين.
ج: القضية ليست في أننا لانحب الإمساك بأيدي الآخرين، لكن كل مافي الأمر هو أننا عندما نرى شيء مثير للإهتمام، فإننا نتخلص من اليد التي كنا نمسكها، حتى أنني لا أتذكر متى أفلتّها حتى أسمع الشخص الآخر يقول “اها، يبدو أنه لايريد أن يمسك بيدي!”.. كان هذا يجعلني اكتئب، لكن لأني لا أستطيع شرح السبب له أو لها، ولأني فعلاً لا أستطيع الإمساك بيدهم لفترة طويلة، فلايمكنني فعل شيء حيال سوء الفهم هذا. القضية ليست في يد من التي أمسكها، وليست في حركة الإمساك باليد بحد ذاتها، القضية هي هذا الدافع لدى الأطفال الذين لديهم توحّد الذي يجعلنا ننطلق نحو أي شيء يبدو مثير للإهتمام، مهما كان ضئيلاً. هذا الدافع هو مايجب علينا معالجته.
س13: هل تفضّل البقاء وحيداً؟
ج: لطالما سمعنا “لاعليك منه، فهو يفضّل البقاء وحيداً”.. لا أستطيع التصديق بأنه يوجد إنسان فعلاً وُلِد وهو يريد أن يبقى وحيداً. مستحيل. لذلك جوابي هو لا، ما يُقلق الذين لديهم توحّد هو أننا نسبب لكم مشاكل أو حتى نضايقكم. هذا ما يُصعّب علينا الجلوس مع الناس الآخرين. هذا مايجعلنا ننتهي بالبقاء وحيدين. الحقيقة هي أننا نحب أن نكون مع الناس! لكن لأن الأمور لم ولن تسير على مايرام، فإن المطاف ينتهي بنا وحيدين، ونتعوّد على البقاء وحيدين دون أن نشعر بهذه العادة. كلما أسمع شخص يقول أنني أفضل البقاء وحيداً، فإنه يجعلني أشعر بوحدة موحشة.. وكأنهم عنوة يريدون تجاهلي.
س14: لماذا تتجاهلنا عندما نحدّثك؟
ج: عندما يحدّثني شخص من مسافة، فإني لا أنتبه له. قد تظن أن هذا يحدث للجميع، أليس كذلك؟ لكن مايصدّع رأسي فعلاً هو أنني لا أنتبه له حتى لو كان أمامي مباشرة يتحدث إلي. علماً أن عدم الانتباه أمر مختلف عن التجاهل. لكن الناس يفترضون عادة أنني إما مغرور أو مجنون. الناس حولي دوماً ينبّهونني بأنه يوجد من يحدّثني عندما يقولون “رد السلام يا ناوكي”.. “بماذا تجيبه عندما يسلم عليك؟”.. وكلما حدث ذلك فإني أكرر مايريدون أن أقوله كأني طائر مينا* يتعلم كلمة جديدة. رغم أني أشعر بالذنب تجاه الشخص الذي يحدّثني، لكن لا أستطيع حتى الإعتذار. وأخلص من الأمر بخليط من الخجل والإحباط بأني لاأستطيع إقامة علاقة إنسانية.
الذي ينظر إلى جبل بعيد لايلاحظ جمال زهرة “سنّ الأسد”** الموجودة فيه. ومن ينظر إلى زهرة “سنّ الأسد” أمامهم لايرون جمال الجبل من بعيد. بالنسبة لنا، أصوات الناس مثل هذا تقريباً. لانلاحظ أن الشخص يتحدث إلينا من أصواتهم فقط أو من مكان وقوفهم فقط. لذلك سيساعدنا كثيراً لو استخدمتم أسامينا في البداية لكي ننتبه لكم قبل أن تبدأو التحدث معنا.
*من المترجم سهيل: طائر المينا من الطيور المتكلّمة لكنه أسرع تعلم من الببغاء ويتعلم الكلام حوله دون أن تكررها عليه. يوجد في اليابان والهند وأماكن أخرى في العالم.
** سنّ الأسد: زهرة جبلية. وتسمّى أيضاً “اليَعْضِيد”، كما في الصورة.
س15: لماذا تعابير وجهك محدودة جداً؟
ج: تعابيرنا تبدو محدودة فقط لأنكم تفكرون بطريقة مختلفة عنّا. كان يزعجني لفترة أني لاأستطيع أن أضحك مع من حولي عندما يضحكون. يبدو لي أن تعريف المضحك وغير المضحك لدى من لديه توحّد لايتطابق مع تعريفكم. بالإضافة إلى أن بعض المواقف التي نواجهها تبدو مستحيلة. حياتنا اليومية مليئة بالأشياء التي يصعب معالجتها والتعامل معها. وفي أوقات أخرى، عندما نتفاجأ أو نشعر بخجل أو توتُّر، فإننا نتجمد في مكاننا ولانستطيع حينها إظهار أي مشاعر.
انتقاد الناس والسخرية منهم وصنع المقالب لهم لايثير ضحك الذين لديهم توحّد. ما يجعلنا نبتسم من القلب هو رؤية شيء جميل، أو ذكريات تجعلنا نضحك.. وهذا يحصل بشكل عام عندما لايشاهدنا أحد. عندما نكون لوحدنا في الليل، قد ننفجر ضاحكين تحت اللحاف! أو نصدح بالضحك في غرفة خالية. عندما لانضطر إلى التفكير بالآخرين أو أي شيء آخر، عندها نُخرج تعابيرنا الطبيعية.
س16: هل فعلاً تكره أن يلمسك أحد؟
ج: شخصياً لامشكلة لدي في التواصل الحسّي، لكن فعلاً بعض من لديهم توحّد لايطيقون أن يُحضَنو أو يُلمسو. بصراحة، لا أدري لماذا، أظن أنها لاتشعرهم بالارتياح. بشكل عام للأشخاص الذين لديهم توحّد، فإن لمسهم يعني أن اللامس يريد السيطرة على جسد الشخص، وهو الجسد الذي لايسيطر عليه صاحبه أصلاً بشكل مناسب! وكأننا نخسر ذاتنا! فكر فيها، الأمر مفزع! ويوجد أيضاً الخوف من أنه عندما نُلمس فإن أفكارنا تصبح ظاهرة للعيان، وعندما يحدث هذا فإن اللامس سيقلق جداً علينا. أرأيت؟ نضع حواجز حولنا لكيلا نجلب شفقة الناس نحونا.
س17: لماذا تلوّح مودّعاً وكفّك موجهة نحوك؟
ج: عندما كنت صغيراً، كنت دائماً ما أفعل ذلك عندما يقال لي “ودّعهم!”. التمارين الرياضية البسيطة والرقص أراها مستحيلة، وذلك لأن تقليد الحركة صعب على الذين لديهم توحّد.
أنا لاأعرف أجزاء جسمي جيداً، ولذلك فإن تحريك أجزاء الجسم التي أستطيع مراقبتها هي أول خطوة لتقليد الحركات بشكل سليم. لم أفهم يوماً كلام الناس عندما يقولون أنّي ألوّح بالعكس حتى رأيت نفسي يوماً ما أمام المرآة، عندها اكتشفت أني بالفعل ألوّح مودّعاً نفسي!
(بعد هذا الجواب، سرد ناوكي قصة قصيرة عن سباق الأرنب والسلحفاة. السلحفاة قد فازت على الأرنب سابقاً لكن الأرنب أصر أن يتسابق معها ثانية، وباقي الحيوانات غير مهتمة بالسباق. وافقت السلحفاة على إعادة السباق، فانطلق الأرنب بسرعة بينما السلحفاة سقطت على ظهرها. اجتمعت الحيوانات حولها متعاطفة وحملتها لبيتها، بينما الأرنب وصل لخط النهاية لكن لم يجد من ينتظره غير نفسه).
س18: عندما تضحك بشكل مفاجئ، ما الذي يدور في ذهنك بالضبط حينها؟
ج:
_________________
ملاحظة من المترجم: أخبرني الناشر أن حقوق ترجمة الكتاب تم الحصول عليها وجاري ترجمة الكتاب للعربية في لبنان. لذلك، حفظاً للحقوق الفكرية للمؤلفين والناشر والمترجم القادم، لن أقوم بجمع الأسئلة في صفحة واحدة، وأرجو من القراء ألّا يجمعوها أيضاً في صفحة واحدة. سأظل أترجم الكتاب، كل سؤال على حدة، حتى يصبح الكتاب المترجم في متناول العائلة العربية.
أرجو متابعة الترجمة عبر الموقع الآخر: techani.tumblr.com
شكراً لمتابعتكم ونشركم العلم.